تدخلات السلطات التركية في السياسة النقدية تهوي بالليرة 285% في 4 سنوات
مسلسل إنهيار الليرة التركية لا يتوقف منذ 2017، مع استمرار التدخلات من السلطات التركية في السياسات النقدية للبنك المركزي التركي، ما عصف بعملة البلاد المحلية وأفقدها أكثر من 285 في المائة منذ 2017، ونحو 140 في المائة في آخر عامين و62 في المائة منذ بداية العام الجاري وحده.
وهوت الليرة التركية من مستوى 3.5 ليرة للدولار في 2017، إلى أدنى مستوى لها في تاريخها هذا الأسبوع عند 13.45 ليرة لكل دولار قبل أن تسترد جزءًا طفيفًا من خسائها لتسجل 12.30 ليرة للدولار، هذا الوضع أفقد الأسر التركية قرابة 300 في المائة من قيمة أصولها ومدخراتها، على مدار الأعوام الأربعة الماضية.
تاريخ تدخلات السلطات التركية في السياسات النقدية للبنك المركزي التركي متكرر خلال السنوات الماضية ومن أعلى السلطات في البلاد، كان أشدها وأكثرها خطوة التدخل بعزل 3 محافظين للبنك المركزي التركي خلال أخر عامين ونصف، بالإضافة إلى عزل 3 من قيادات البنك المركزي الشهر الماضي، فضلًا عن التدخلات المستمرة في تحديد أسعار الفائدة وهو عمل أًصيل للبنك المركزي وليس السلطات التنفيذية.
وقالت وكالة بلومبرج العالمية للأنباء، إن تلك التدخلات أدت إلى تقويض الليرة وإلحاق ضرر شديد بمصداقية السياسة النقدية في تركيا وقلصت القدرة على التنبؤ بها، خاصة من جانب المستثمرين الدوليين، ما ساهم أيضا في تأزم الأوضاع الاقتصادية في البلاد التي تعاني في الأساس من تداعيات جائحة كورونا وفشلت إجراءات الحكومة في احتواء أثارها الاقتصادية، وتسبب تراجع العملة المحلية في ارتفاع أسعار السلع المستوردة من الخارج، إلى جانب ارتفاع الأجور، ما دفع المنتجين الأجانب إلى ترحيل فروقات أسعار الصرف إلى المستهلك النهائي، ونتج عن ذلك صعود حاد في نسب التضخم.
وذكرت الوكالة الإخبارية أن معدلات التضخم الاستهلاكي في تركيا تسارعت للشهر الخامس على التوالي في إكتوبر الماضي متأثرة بارتفاع الأسعار العالمية وضعف الليرة المتواصل، وبلغ معدل التضخم الرئيسي أعلى مستوى له خلال عامين ونصف العام عند 19.58%، إذ زادت الأسعار بمعدل سنوي قدره 19.89٪، فيما لا يزال تضخم الغذاء أعلى بكثير من التقديرات الرسمية، حتى بعدما قام البنك المركزي التركي بتعديل تقديراته لنهاية عام 2021 إلى 23.4٪ من 15٪ في يوليو الماضي. وإرتفع معدل التضخم في الطاقة إلى 25.76٪ في أكتوبر الماضي من 22.77٪ في الشهر السابق، وارتفع مؤشر التضخم الأساسي بمعدل سنوي إلى 16.82٪، في إشارة إلى ضغوط تضخمية قوية وراء الرقم الرئيسي، وارتفع تضخم أسعار التجزئة في إسطنبول، عاصمة الأعمال في تركيا، إلى 20.76٪ الشهر الماضي من 19.77٪ في سبتمبر السابق عليه.
وفي ظل تمسك السلطات التركية بالتدخل ف السياسات النقدية، والضغط المتواصل لخفض أسعار الفائدة، ما أجبر البنك المركزي التركي على خفض الفائدة لأكثر من مرة هذا العام بنحو 400 نقطة، حتى وصلت إلى 15 في المائة مقابل 19 في المائة في سبتمبر الماضي، وذلك رغم ارتفاع الأسعار عالميًا، والتضخم المتزايد في تركيا وايضا العالم.
ويتوقع "دويتشه بنك" أن يؤدي تخفيض الفائدة التركية إلى مزيد من الارتفاع في معدلات التضخم، كما توقعت وكالة التصنيف الائتماني الدولية “ستاندرد آند بورز" انخفاضًا حادًا لليرة التركية خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، وتضاعف مستوى القروض المصرفية المتعثرة في الـ12 شهرا المقبلة، وهو ما ينذر بتفاقم الأوضاع الاقتصادية في البلاد وتضييق الخناق على الأسر التركية.
وذكرت وسائل إعلام تركية الإسبوع الماضي نقلًا عن اقتصاديون أتراك، أن جميع المؤشرات تدل على استمرار انخفاض الليرة التركية، خاصة في ظل التمسك بسياسة خفض سعر الفائدة من قبل السلطات الحاكمة وتدخلها في عمل البنك المركزي، رغم معارضة مسئولي المركزي التركي لهذا التوجه، لكنهم فعلوا ذلك وقاموا بخفض جديد للفائدة بمعدل 1 في المائة نزولًا عند طلب السلطات التركية التي تعتقد أن خفض معدلات الاقتراض سيعزز النمو في البلاد.
وينظر الاقتصاديون بشكل عام إلى ارتفاع أسعار الفائدة على أنه أداة مالية لكبح للتضخم الذي وصل لمستويات وصفته الحكومة التركية ب " الخطير"، لكن في الوقت نفسه ترى السلطات التركية ضرورة الاستمرار في خفض تكاليف الاقتراض معتقدة أن خفض أسعار الفائدة سيؤدي إلى انخفاض التضخم.
وقال الخبراء إن التدخلات المستمرة من السلطات التركية في السياسات النقدية في عمل البنك المركزي سيؤدي في النهاية إلى إفقار الشعب التركي وستدفع الأمة التركية الثمن وستتواصل معاناة الإقتصاد الذي لم يتعاف بسبب حائجة كورونا، وسط توقعات بأن تشهد الفترة المقبلة مزيدا من الارتفاع في أسعار المنتجات والسلع المختلفة سواء في القطاع الخاص أو العام، وذلك بعد صعود تكلفة الإنتاج ونمو عجز الموازنة.
ومنذ عزل السلطات التركية لمحافظ البنك المركزي التركي وتعيين شهاب قوجي أوغلو محافظا جديدا في مارس الماض، فقدت الليرة التركية أكثر من 60 في المائة من قيمتها من مستوى 8.50 ليرة للدولار إلى 13.5 ليرة للدولار في تعاملات الايام الماضية، وذلك بسبب خضوع المحافظ الجديد لتدخلات السلطات التركية في السياسة النقدية
ويرى محللون أن إنصياع المركزي التركي للسلطات في البلاد جعل خطواته تسير بشكل معاكس للاتجاه العالمي التي ترتكز على إنهاء تدريجي لإجراءات التيسير النقدي التي قامت بها البنوك المركزية في أثناء جائحة كورونا، فيما تتجه الآن إلى رفع معدلات الفائدة لمجابهة حالة التضخم التي تجتاح العالم، لكن المركزي التركي يفعل العكس ويسير عكس السرب.
وتعاني تركيا من فاتورة ديون ضخمة تتجاوز 450 مليار دولار، وبات على الشركات والحكومة التركية سداد ديون خارجية بقيمة 13 مليار دولار قبل نهاية العام الجاري، وهو ما يرفع الطلب على العملة الأجنبية، ويزيد ذلك الضغوط على الليرة، كما يزيد من خطورة خفض الفائدة على الاقتصاد الذي يعتمد بشدة على التمويل الخارجي، رغم أن صادرات البلاد تصل إلى 250 مليار دولار سنويا،لكنها لا تستطيع مواجهة الالتزامات الخارجية الضخمة.
وحاول البنك المركزي التركي اتخاذ بعض الاجراءات لإنقاذ الوضع النقدي، إذ عمد في التاسع من نوفمبر الحالي إلى تعديل قواعد الاحتياطي لخفض سيولة الليرة في النظام المصرفي، وخفض كميات الذهب المسموح للمصارف الاحتفاظ بها في إطار الاحتياطي الإلزامي من الليرة، ورفعت هذه الخطوة من ناحية الأثر كمية العملة المحلية التي يتعين على البنوك إيداعها في البنك المركزي.
كما رفع البنك المركزي التركي نسب الاحتياطي الإلزامي للودائع بالعملات الأجنبية بمقدار 200 نقطة أساس (2%) لتعويض أي تأثير في احتياطياته، بموجب هذه الخطوات، توقع المركزي التركي أن تزيد حيازاته من العملات المحلية والأجنبية بمقدار 7.4 مليار ليرة، و3.8 مليار دولار على التوالي.