الحرب الروسية الأوكرانية تواصل الاستحواذ على تركيز الأسواق العالمية
كشف التقرير الشهري للأسواق العالمية، أنه في مطلع هذا الشهر، استمرت الحرب الروسية – الأوكرانية في الاستحواذ على تركيز الأسواق العالمية، وذلك مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية، الأمر الذي أدى إلى تأجيج المخاوف التضخمية بين المستثمرين. وفرض الغرب المزيد من العقوبات على روسيا، بما في ذلك عقوبات على الثروات الخاصة برجال أعمال روس، وقطاع الطاقة، وشركات الطيران، وعقوبات تجارية، بينما ردت روسيا على هذه العقوبات عن طريق حظر تصدير العديد من المنتجات حتى نهاية 2022.
وفي هذه الأثناء، بدأت المحادثات بين روسيا وأوكرانيا لإيجاد حل وسط والوصول إلى "هدنة" وقد نجم عن المحادثات الدائرة بين الطرفين بعض التفاؤل في بعض الأحيان والتشاؤم في بعض الأحيان الأخرى على مدار الشهر، بينما لم تسفر المحادثات عن نتيجة واضحة. وخلال النصف الثاني من الشهر، وجهت الأسواق تركيزها على تشديد البنوك المركزية للسياسة النقدية، حيث قام الاحتياطي الفيدرالي، بالإضافة إلى البنوك المركزية بالأسواق المتقدمة والناشئة، برفع أسعار الفائدة الرئيسية، كما أشاروا إلى تشديد السياسة النقدية وسط ارتفاع معدلات التضخم على مستوى العالم.
وكما كان متوقعًا، خلال اجتماع مارس، قام الاحتياطي الفيدرالي برفع معدلات الفائدة المستهدفة على الاحتياطيات الفيدرالية بمقدار 25 نقطة أساس لتصبح 0.25% - 0.5%، بينما أشار المخطط النقطي إلى حدوث دورة حادة من التشديد للسياسة النقدية بصورة أسرع مما كان متوقعًا، مع رفع أسعار الفائدة ستة مرات هذا العام، مما يشير إلى قيام اللجنة برفع أسعار الفائدة في كل من الاجتماعات الستة المتبقية في 2022، بالإضافة إلى رفعها ثلاث مرات في 2023، الأمر الذي يدفع أسعار الفائدة الرئيسية إلى منطقة معدلات تقييدية، لتصبح فوق المستوى المحايد.
علاوة على ذلك، استمرت الأسواق في اتجاهها نحو تسعير دورة تشديد للسياسة النقدية الأمريكية بشكل أسرع مما كان متوقعًا مع إشارة غالبية المسئولين الفيدراليين مرارًا وتكرارًا الى تفضيلهم اتخاذ إجراء سريع لمواجهة التضخم مع الابقاء على رفع سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس كإحدى الخيارات، خاصة بعد صدور بيانات التضخم التي وصلت إلى أعلى مستوى لها في 40 عامًا، وبيانات سوق العمل التي جاءت قوية. وتأثرت الأسواق المالية بشدة بسبب التوترات الجيوسياسية المستمرة، وموقف بنك الاحتياطي الفيدرالي الذي يميل تجاه تشديد السياسة النقدية، بالإضافة إلى جميع الأصول التي شهدت تحركات كبيرة.
وارتفعت عوائد سندات الخزانة الأمريكية مع استمرار تسطح منحنى العائد بشكل كبير، حيث جاء الفارق بين عوائد سندات الخزانة لأجل عامين والسندات لأجل 10 سنوات مقلوبًا خلال التداولات اليومية، بينما أنهى منحنى الفارق بين عوائد سندات الخزانة لأجل 5 أعوام والسندات لأجل 30 عامًا تعاملات الشهر مقلوبًا. واستمرت أسعار النفط في الارتفاع، لتخترق بذلك حاجز 130 دولارًا خلال تداولات بعض الأيام في مطلع هذا الشهر قبل أن تستقر.
اختتم أعضاء الاحتياطي الفيدرالي اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في 16 مارس بعدما أقروا فيه رفع أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية كما كان متوقعًا، حيث تعد هذه الزيادة الاولي لسعر الفائدة منذ 2018 وسط ارتفاع بمعدلات التضخم.
ومن الجدير بالذكر أن مسؤولي اللجنة قد صوتوا بنسبة 8-1 لصالح رفع أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية، بينما صوّت رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، جيمس بولارد، (له حق التصويت/ يميل بشدة تجاه تشديد السياسة النقدية) لصالح رفع أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية. وظهرت تصريحات العديد من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي خلال الشهر، حيث جاءت على رأسهم تصريحات بولارد، ووالر، وباركين الذين أشاروا إلى الحاجة إلى رفع أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في اجتماع 4 مايو، وذلك بعد أيام قليلة من انعقاد اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة.
دعمت معدلات التضخم في الولايات المتحدة اتجاه مجلس الاحتياطي نحو دورة تشديد للسياسة النقدية، حيث بلغت مستويات التضخم الكلي/العام معدل يتجاوز متوسط الزيادة المتوقَّعة ليسجل أعلى وتيرة له منذ عام 1981. وكان لكل من أسعار الطاقة والمسكن والسلع الغذائية مساهمة كبيرة في ارتفاع معدلات التضخم في شهر مارس. بينما جاءت توقُّعات استطلاع الأرقام الشهرية للتضخم الأساسي أقل من المتوقع مما يبعث الأمل في أن يكون التضخم قد بلغ ذروته.
وعلى نحو مماثل، ارتفعت أرقام مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي وهو مؤشر القياس المفضل لمعدلات التضخم لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي، على كلا الأساسين السنوي والشهري. نمت الأرقام الشهرية بوتيرة أبطأ في شهر فبراير بينما تسارعت الأرقام السنوية على مدار الشهر مسجلة ارتفاعا للشهر السادس على التوالي.
إلى جانب التضخم الذي سجل اعلى معدلاته في عدة عقود في الولايات المتحدة، شهد سوق العمل تحسنًا كبيرا حيث تشير الأرقام إلى امتلاء سوق العمل ليصبح أكثر إحكامًا. ارتفع معدل المشاركة في القوى العاملة إلى أعلى مستوى له في عامين وانخفضت البطالة إلى أدنى مستوياتها قبل انتشار جائحة فيروس كورونا. علاوة على ذلك، ارتفع متوسط الأجر في الساعة بشكل يتماشى مع توقعات المحللين بالسوق
علاوة على ذلك، أشارت بيانات الرواتب في القطاع غير الزراعي إلى نشاط سوق العمل على الرغم من أن الأرقام جاءت أقل من التقديرات وأقل من المراجعة الصعودية الصادرة خلال الشهر الماضي. وكانت أرقام التوظيف قوية خاصة في كل من قطاعي الترفيه والضيافة. وكذلك، يتضمن تقريرADP للتوظيف الصادر عن المكتب الرسمي لإحصائيات الموارد البشرية في الإشارة الى المزيد من التحسن في معدلات التوظيف بالقطاع الخاص.
وبالانتقال إلى الاتحاد الأوروبي، ارتفع معدل التضخم الكلي إلى أعلى مستوى له على الإطلاق في شهر مارس، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والأغذية والكحول والتبغ والسلع الصناعية من غير منتجات الطاقة. كما ارتفعت أرقام مؤشر أسعار المستهلك أيضًا.
وكانت الضغوط التضخمية واضحة أيضًا في المملكة المتحدة مع ارتفاع المعدل السنوي لمستوى التضخم، الذي شهد ارتفاعًا إضافيًا في شهر مارس، متخطيًا سقف التوقعات على أساسي شهري وربع سنوي، حيث استقر التضخم العام على أساس سنوي عند أعلى مستوى له في 30 عامًا.
تراجعت معنويات المستهلكين، حيث أشار استطلاع الرأي الذي أجرته جامعة ميشيغان بالولايات المتحدة إلى انخفاض معنويات المستهلكين لشهر مارس، لتصل إلى أدنى مستوياتها في 11 عاما. وأشار التقرير أن كلا الأوضاع الحالية والمتوقعة مستقبلًا بالنسبة للتضخم هي نتيجة مخاوف حيال ارتفاع مستوى التضخم وارتفاع أسعار الفائدة والتوترات الجيوسياسية المستمرة. وفي الوقت نفسه، جاءت بيانات أرقام المستهلكين في استطلاع كونفرنس بورد متوافقة مع التوقعات ولكنها أعلى من الشهر السابق.
ومن ناحية أخرى، أظهر التقرير الشهري الصادر عن مؤسسة جي.إف.كيه للأبحاث السوقية في لندن تراجع ثقة المستهلك وذلك للشهر الرابع على التوالي لتصل إلى أدنى مستوى لها منذ أكتوبر 2020.
وفي الاتحاد الأوروبي، شهدت معدلات ثقة المستهلكين انخفاضا جديدًا في شهر مارس لتصل إلى أدنى مستوياتها في عامين في خضم أزمة ارتفاع أسعار الطاقة.