خفض التصنيف الائتماني لبريطانيا بسبب كورونا وبريكست
لم يتأثر سعر صرف العملة البريطانية، الجنيه الإسترليني، كثيراً في نهاية تعاملات الأسبوع ليل الجمعة بعد إعلان مؤسسة التصنيف الائتماني العالمية "موديز" خفض تصنيفها للمملكة المتحدة، كما لم تؤثر تهديدات رئيس الوزراء بوريس جونسون باستعداد بلاده للخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) من دون اتفاق، وعلى الرغم من هذه وتلك، فإن سعر صرف الجنيه الإسترليني حافظ على مستوى فوق 1.29 دولار للجنيه.
وأعلنت مؤسسة "موديز" بعد إغلاق الأسواق ليل الجمعة، خفض تصنيفها الائتماني للوضع المالي للحكومة البريطانية وسندات الدين السيادية، وتلك التي يصدرها بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) من Aa2 إلى Aa3، وهو رابع مستوى في ترتيب التصنيفات الجديرة بالاستثمار لدى "موديز"، لكنها عدّلت نظرتها المستقبلية من سالبة إلى مستقرة.
ويساوي هذا المستوى من التصنيف عند المؤسسة مستوى التصنيف عند مثيلتها من مؤسسات التصنيف الدولية مثل "فيتش"، التي سبق وخفّضت تصنيفها للدين السيادي البريطاني في مارس (آذار) الماضي إلى AA سالب، وأرجعت وقتها قرار التخفيض إلى ضعف الوضع المالي العام للحكومة الإنجليزية بسبب التبعات الاقتصادية لوباء كورونا، بينما يظل تصنيف المملكة المتحدة عند مستوى AA لدى مؤسسة "ستاندرد آند بورز"، وهو المرتبة الثالثة من التصنيفات الائتمانية الجديرة بالاستثمار.
وذكر تقرير مؤسسة "موديز" المصاحب لإعلان خفض التصنيف الائتماني لبريطانيا ثلاثة عوامل رئيسة ومتداخلة في ما بينها استند إليها القرار، هي: تراجع أداء الاقتصاد منذ خفّضت المؤسسة التصنيف الائتماني للمملكة المتحدة آخر مرة في سبتمبر (أيلول) 2017، وضعف الوضع المالي للحكومة، بخاصة مع المستويات العالية للدين العام الذي تجاوز 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بتخطيه حاجز تريليوني جنيه استرليني (2.6 تريليون دولار)، وتراجع المؤسسات البريطانية وضعف القواعد والقوانين في السنوات الأخيرة.
وبرّرت "موديز" تعديل النظرة المستقبلية من سلبية إلى مستقرة بتوقّع قدرة الحكومة البريطانية على وقف ارتفاع الدين العام والعمل على استقرار عجز الميزانية وكذلك تحسين المناخ التشريعي الحاكم للأعمال والشركات. أما العامل الأول المتعلق بالنمو الاقتصادي، فلا تتوقع "موديز" نمواً جيداً في بريطانيا، وتقدّر أن تعافي الاقتصاد سيكون الأضعف بين اقتصادات الدول المتقدمة الأخرى في العالم. وذكر التقرير أنه "على الرغم من التعافي الاقتصادي المستهدف، نقدّر أن يشهد الاقتصاد البريطاني انكماشاً أكبر وأكثر حدة من أي بلد آخر في مجموعة العشرين".
وبحسب تقدير مؤسسة التصنيف الائتماني العالمية، فإن وضع الاقتصاد البريطاني يتدهور حتى من قبل وباء كورونا، تحديداً منذ استفتاء بريكست عام 2016، إضافة إلى أنه لم يتعافَ تماماً من تأثير الأزمة المالية العالمية في 2008.
وذكر تقرير "موديز" أنه "حتى قبل الصدمة الناجمة عن وباء كورونا كانت هناك عوامل تؤثر سلباً في الأداء الاقتصادي في المملكة المتحدة من قبيل بطء نمو الإنتاجية منذ الأزمة المالية العالمية وتراجع الاستثمار في الأعمال منذ استفتاء عام 2016 لخروج البلاد من الاتحاد الأوروبي واستمرار عدم اليقين بشأن العلاقة المستقبلية بين بريطانيا والاتحاد".
من المهم الإشارة إلى أن البحث والتحليل اللذين أدَّيا إلى قرار خفض التصنيف الائتماني لا يأخذان في الاعتبار التعثر الأخير في مفاوضات اتفاق "بريكست" بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي وتهديدها بـ"بريكست" من دون اتفاق نهاية هذا العام، لكن تقرير "موديز" يلفت إلى تأثير الأخير بشكل عام، وهو الأمر الذي ضاعف من سطوة الديناميات السلبية طويلة المدى على قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي وعدم القدرة على التوصل إلى اتفاق تجاري مع أوروبا يُعوِّض بعضاً من المنافع التي كانت تعود على المملكة المتحدة من عضويتها في الاتحاد الأوروبي.
ويتوقف أي تغيير مستقبلي في العوامل التي تستند إليها مؤسسات التصنيف الائتماني في قراراتها بشأن بريطانيا على أي تحسن إيجابي في العوامل التي ذكرها تقرير مؤسسة "موديز". وعلى الرغم من أن وزير الخزانة ريشي سوناك تعهد بالعمل على ضبط العجز في الميزانية العامة ومواجهة أعباء الدين العام للحكومة، فإن الخزانة البريطانية لم تعلن حتى الآن كيف ستحسّن مواردها لمواجهة تبعات الإنفاق المتزايد بسبب أزمة وباء كورونا.
ويقدّر خبراء ومتخصصون اقتصاديون أن وزير الخزانة بحاجة لزيادة الدخل العام، وهو مضطر لرفع الضرائب لتحصيل ما يزيد على 40 مليار جنيه إسترليني (51 مليار دولار) إضافية كي يتمكّن من وقف ارتفاع الدين العام. إلا أن قرار زيادة الضرائب في الوقت الذي يعاني الاقتصاد الانكماش ويتعرّض ملايين البريطانيين لضغوط توقف أعمالهم نتيجة استمرار تفشي كوفيد-19 ليس بالقرار السهل سياسياً على حكومة جونسون.