الأسواق الناشئة تعزز نفوذها الاقتصادي في "قمة العشرين"
شيء واحد تعنيه جائحة فيروس كورونا لقادة العالم، وهو أنها بسّطت التقويمات الدولية إلى حد ما، ففي خلال أسبوع واحد استضافت روسيا قمة "بريكس" (17 نوفمبر 2020)، وعقدت ماليزيا اجتماع التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (20 نوفمبر 2020) ، وحجزت عطلة نهاية الأسبوع (21 و22 الحالي) لقمة مجموعة العشرين في السعودية.
وبدلاً من الاضطرار إلى الصعود على متن الرحلات والعيش خارج الحقائب، كان على القادة الحضور عبر رابط الفيديو، في ظل تفشي موجة ثانية من الفيروس والذي أصاب حتى الآن أكثر من 57 مليون شخص وتسبب في وفاة أكثر من 1.3 مليون في جميع أنحاء العالم، ويكافح قادة العالم من أجل الخروج باستجابة منسقة في مواجه الوباء المميت.
ودعا عدد من قادة "مجموعة العشرين" إلى توزيع عادل للقاحات وتعزيز منظمة الصحة العالمية، وهي الوكالة التي تتولى زمام المبادرة في مكافحة الوباء وتنسيق عملية التوزيع في كل أنحاء العالم.
وكانت إدارة ترمب أعلنت الصيف الماضي انسحابها من منظمة الصحة العالمية، واختارت عدم المشاركة في خطة الوكالة لتوزيع لقاح يعرف باسم "كوفاكس".
كذلك حضّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على التعاون الدولي لتوفير لقاح للجميع، وبناء نظام يسمح بتوجيه الجرعات الأولى من اللقاح إلى الدول الأقل نمواً. ودعت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إلى تمويل أفضل للقاح. وقالت ميركل على هامش "قمة العشرين" في الرياض "لدحر الوباء، تحتاج كل دولة إلى الحصول على اللقاح والقدرة على تحمل كلفته، ونحن بحاجة إلى تمويل موثوق وتعاون أفضل، واستقلال أكبر"، بحسب "سي أن بي سي".
صوت أكبر للبلدان الناشئة
بالنسبة إلى قادة البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، كانت قمة "بريكس" الافتراضية التي استضافها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، فرصة للتمرن على أولوياتهم في الفترة التي تسبق قمة مجموعة العشرين.
وتتمتع كتلة بريكس بنفوذ اقتصادي هائل، إذ يبلغ عدد سكانها 3.6 مليار نسمة (42 في المئة من الإجمالي العالمي)، و23 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهي اليوم قوة في نظام التجارة العالمي، قادرة على ممارسة تأثير قوي في العالم ومنظمة التجارة العالمية.
كانت أولوية "بريكس" هي الجهود عبر البلدان للاستجابة لـلجائحة، وكيفية ضمان انتعاش اقتصادي سريع، كما تمت مناقشة كيفية تنسيق وتعزيز التعاون في التجارة والطاقة ومكافحة الإرهاب، وبالتالي أتيحت الفرصة لقادة الـ "بريكس" الخمسة لتطوير نص مشترك ليأخذوه إلى قمة "مجموعة العشرين" في الرياض، والتي تنعقد في ظل أزمات سياسية واقتصادية وجيوسياسية وصحية كبيرة يواجهها العالم اليوم، ناهيك عن أن المجموعة تمثل ثلثي سكان العالم، و75 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالم، وقد هيمنت عليها تقليدياً القوى الغربية التي منحتها قوتها الاقتصادية الثقل لتأسيس الاقتصاد السياسي العالمي، وتحظى اليوم بأول استضافة عربية في الرياض.
في المقابل، أدت ردود الفعل الكارثية لفيروس كورونا على الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى تقويض مكانتهما القيادية في مواجهة الأزمات، بحسب موقع "كونفيرزيشن دوت كوم"، إذ بات تفشي وباء كورونا القضية الأكثر إلحاحاً في العالم خلال عام 2020.
وهذا بدوره وفّر فرصة للقوى الناشئة من دول الـ "بريكس" للوقوف في الصف الأول، إذ كانت القمة بمثابة بروفة لمناصرة القوى الناشئة لمكانتها في النظام العالمي الجديد، وقمة "مجموعة العشرين" توفر مناسبة رسمية لإبراز أصوات أعضائها من البلدان الناشئة على نطاق أوسع، كما أن الاضطرابات السياسية التي أحاطت بنتيجة الانتخابات الأميركية كان لها انعكاسات على رؤية العالم للولايات المتحدة والديمقراطية التي تقوها.
قادة العالم المجتمعين في "قمة العشرين" كانوا بانتظار ما سيقوله الرئيس الأميركي دونالد ترمب للعالم في مواجهة أزمة كورونا. وفي ظل انتعاش اقتصادي عالمي هشّ، لكن ترمب الذي شارك في مراسم افتتاح القمة الافتراضية التي استضافتها السعودية مع بقية قادة مجموعة العشرين، لم يشارك في مناقشات القمة، وذهب لاحقاً إلى ملعب الغولف الخاص به "نادي ترمب الوطني للغولف في ستيرلينغ بولاية فيرجينيا"، حيث أمضى عطلات نهاية الأسبوع الأخيرة منذ خسارته الانتخابات الرئاسية، بحسب "سي أن بي سي"، وهو موقف سيكون له تداعيات سلبية على الولايات المتحدة ومكانتها القيادية في العالم.
كان القادة في قمة مجموعة "بريكس" (كتلة الأسواق الناشئة التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا)، يدركون جيداً أن القصة الكبيرة لـ "مجموعة العشرين" هي جائحة فيروس كورونا والجهود في جميع أنحاء العالم لتطوير لقاحات فعالة، في حين أن الاختراقات الأخيرة في مجال اللقاحات في الولايات المتحدة وأوروبا ستكون ذات أهمية كبيرة، فإن دول "بريكس"، لا سيما روسيا والهند والصين، تريد المزيد من التركيز على جهودها وإنجازاتها.
فبعد أن أكد لزملائه في "بريكس" أن اللقاحات الروسية "تعمل بشكل فعال وآمن"، دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التحالف إلى توحيد قواه من أجل الإنتاج الضخم، واستخدام لقاح "سبوتنيك -في"، والذي قال إنه أظهر في الاختبارات المبكرة أنه فعال بنسبة 92 في المئة، وتم تبني فكرة التعاون من خلال الكتلة بحماسة. وقال رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إن قدرات إنتاج اللقاحات في الهند ستكون مهمة "لمصالح البشرية".
من جانبه، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ إن بلاده "ستدرس بنشاط" توفير لقاحاتها لدول "بريكس" الأخرى، وهناك بالفعل درجة من التعاون حيث تجري كل من البرازيل والهند تجارب لـ "اللقاح الروسي".
في سياق متصل، شكلت "قمة العشرين" في الرياض مناسبة كي يروج قادة العالم للقاحات التي طورتها شركاتها، فالدولة التي ستمتلك اللقاح الأكثر فعالية هي من ستمسك بخيوط النفوذ، إذ أعلن بوتين للزعماء أن روسيا مستعدة لتوزيع لقاح فيروس كورونا "سبوتنيك -في" على دول أخرى، كاشفاً عن أن بلاده تعمل على لقاح ثان وثالث، في حين قال الرئيس الصيني شي جين بينغ إن الصين مستعدة لتكثيف تطوير اللقاح العالمي وتوزيعه. يذكر أن بكين لديها حالياً خمسة لقاحات مرشحة تخضع حالياً لتجارب المرحلة الثالث.