“نتفليكس” تفوز بمعركة البث عبر الإنترنت
من داخل مطبخ منزله، وقف رئيس المحتوى في شبكة نتفليكس تيد ساراندوس، في بث حي بتقنية «الفيديو كونفرنس» ليستعرض نتائج أرباح الشركة، قال الرجل: «لقد كان من الرائع مشاهدة مجتمع المبدعين يجتمع سوياً لتقديم الترفيه للعالم من خلال نتفليكس»، خلال هذا المؤتمر تمت مناقشة نتائج أعمال الربع الأول من عام 2020 والتي جاءت مثيرة للإعجاب بدرجة كبيرة، حيث كشفت الشركة أنها أضافت 15.8 مليون مستخدم جديد حول العالم، وهو رقم قياسي يتحقق للمرة الأولى، بالإضافة إلى 2.31 مليون مستخدم في أمريكا الشمالية.
في ذلك اليوم، وبعد إغلاق البورصة، أصدرت نتفليكس خطابها ربع السنوي للمساهمين، وبعدها بساعتين صدر فيديو للمحلل المالي للشركة لاستعراض الأرباح، وكانا سوياً يعكسان ما قاله ساراندوس في بثه المباشر: «العالم يستمتع بالترفيه من خلال نتفليكس»، ومجتمع المبدعين تجمع حول تلك الشبكة في تلك اللحظات التي ضربت عالم الترفيه على مستوى العالم بشكل لا يصدق خلال أزمة فيروس «كورونا».
يشير هذا العرض الهادئ، وربما المتواضع، الذي قدَّمه التنفيذيون في الشبكة إلى أن هذه الشركة تدرك بالفعل أنها فازت في معركة شبكات البث عبر الإنترنت ربما قبل أن تبدأ بالفعل. وفقاً لخبراء الصناعة، حقَّقت «نتفليكس» نصراً ساحقاً يتجاوز أي توقعات، فمع ازدياد حالات العزل الاجتماعي، توقع المحللون ارتفاع أعداد الاشتراكات والاستهلاك بين جميع شبكات البث عبر الإنترنت، وهو ما تحقق بالفعل، ولكن مؤسسة مثل «موفت ناثانسون» لتحليل الأسواق، قالت في تقرير التوقعات الخاص بها، إن نتفليكس لديها «اشتراكات رخصية، ومكتبة ضخمة من المحتوى الجديد والأصلي القادر على تلبية غالبية اهتمامات الجمهور الواسع»، وتوقع التقرير أن تفوز الشركة في معركة البث، مقدراً أنه بمقدورها إضافة 1.75 مليون مشترك أمريكي، و8.46 مليون مشترك دولي خلال الربع الأول من العام الحالي، إلا أن الأرقام التي حقَّقتها نتفليكس تجاوزت هذه التوقعات بأشواط بعيدة، ما يعنى تحقيق فوز واضح.
ويرصد تقرير «ناثانسون» لتحليل السوق أن شركتَي «ديزني بلس» و«أبل تي في بلس» لم يقدرا على تحقيق أي اختراق لهيمنة «نتفليكس» على سوق البث عبر الإنترنت، ولكن تأثيرهما الأولي جاء في توسيع حجم الكعكة الإجمالية بإدخال المزيد من المشتركين الجدد، وذلك في المرحلة الأولى من انتشار فيروس كورونا.
التقدم على المنافسين في سوق البث عبر الإنترنت لا يتوقف فقط عند عدد المشتركين، ولكن هناك أحد المؤشرات المهمة، وهي نسبة مشاهدة المحتوى على إحدى الشبكات، وفي استطلاع حديث أجرته شركة «مورنينغ كوسلت» أظهر أن 35% من المشاهدين يشاهدون «نتفليكس» أكثر من أي شبكة أخرى، وجاء أقرب المنافسين شبكة «هولو» (التي تملكها ديزني) بنسبة 10%، ثم جاءت «ديزني بلس» بنسبة 4%.
وحقَّق هذا الربع من العام الكثير من القفزات لنتفليكس، فأولاً: اختفت إلى حد كبير كل الشكوك التي أحاطت بالشركة عموماً، أما بالنسبة للتسعير فيبدو أن المشتركين في جميع أنحاء العالم على استعداد لعدم التنازل عن الاشتراك ضمن تخفيض النفقات في هذا العام. ويبدو الأمر وكأن إنفاق ما بين 3 دولارات إلى 12 دولاراً في الشهر لتصفية ذهنك من الأضرار السلبية الخارجية التي تسبَّب بها «كورونا» هو صفقة رابحة. أما بخصوص مشكلة الديون، فهي لم تختفِ تماماً، ولكن تقارير الشركة تكشف عن تدفق نقدي إيجابي مع مضاعفة الدخل الصافي تقريباً خلال الربع الأول من عام 2019، وهي أمور تشير إلى أن الشركة تمضي على الطريق الصحيح.
أما المكسب الأكبر، فهو أن الشركة أظهرت بوضوح لجميع المشككين أنها قادرة على مقاومة أقوى أنواع الاضطرابات تقريباً، وكان من المثير للإعجاب مشاهدة ساراندوس وهو يوضح كيف استأنفت الشركة إنتاج مشاريع الرسوم المتحركة في غضون أيام قلية من إغلاق المكاتب وتعليق العمل في المشروعات التي تم الانتهاء من تصويرها بسبب الفيروس. وأطلقت الشركة جلسات الحوار ونقاشات الكتاب عن بُعد، كما اصطحب المسؤول التنفيذي المشاهدين في جولة حول الأعمال المخططة للمستقبل، الأمر الذي أكد أن جميع خطط إنتاج 2020 كانت في مرحلة ما بعد الإنتاج، بالإضافة إلى استعراض قائمة جيدة للأعمال القادمة في 2021، ومن بينها فيلم الرسوم المتحركة الكبير «أوفر ذا مون» والموسم الرابع من مسلسل «ذا كراون».
هذه الأمور تعني أنه لن يكون هناك الكثير من عمليات إعادة الجدولة الزمنية لتعويض فترات التوقف التي حدثت بسبب الأزمة العالمية، والمثير أنه وسط هذه الإجراءات الاحترازية المكثفة، تقوم الشركة بالفعل بتصوير بعض المشاريع في آيسلندا وكوريا الجنوبية، وهما موقعان تعاملا مع الوباء بالجدية الكاملة من اللحظة الأولى وحقَّقا نتائج هائلة في تأمين البلاد من انتشار الفيروس.
تقوم نتفليكس بعمل المطلوب عندما يحتاج الموقف هذا الأمر، وعلى الرغم من أن الشركة تحوَّلت إلى حد كبير إلى بث المحتوى الخاص بها، إلا أنها تبث محتوى المنتجين الآخرين عندما يكون ذلك منطقياً، ويظهر هذا الأمر أن هناك العديد من الاستوديوهات التي ترغب بالفعل في منافسة «نتفليكس» ولكنهم لا يمتلكون البنية التحتية القادرة على الدخول في هذه المنافسة، سواء من الناحية التقنية أو حتى فيما يتعلق بنماذج الأعمال، والأهم من ذلك عدم قدرتهم على التكيف عن حدث غير مسبوق، مثل: فيروس كورونا بالطريقة التي تفعلها نتفليكس.
على سبيل المثال، منذ البداية طرحت نتفليكس مواسم المسلسلات للمشاهدة مرة واحدة، وكان هذا الأمر انقلاباً على الطريقة التقليدية التي اعتاد بها المشاهد المتابعة بطريقة أسبوعية، ولكنها بعد فترة من تثبيت هذا النموذج بدأت في تجربة الإصدارات المتتالية للحلقات بالطريقة التقليدية، أيضاً بدأت الشركة بطريقة واحدة للاشتراك في الخدمات، ولكنها بعد ذلك قدَّمت بعض العروض الأرخص للمشاهدة عبر الموبايل فقط في بلدان مثل الهند وإندونيسيا والفلبين. كما كانت الشركة ترفض الإعلان عن شعبية وجماهيرية العروض التي تقدمها ولكنها اليوم تقدم أكثر 10 عروض يشاهدها الناس في البلدان المختلفة، وهذا الأسلوب ساهم هو الآخر في زيادة شعبية العديد من الأعمال.
ويحلم جميع المنافسين بامتلاك ما تملكه نتفليكس، ولا نتحدث هنا عن المحتوى الترفيهي، ولكن الأهم من ذلك هو العلاقة المباشرة مع الجمهور وجميع البيانات التي تأتي من خلال هذه العلاقة، وأداء الأسهم الناجح في البورصة، وهي عناصر لم يمتلكها بالقدر الكافي جميع المنافسين عند الانطلاق، وكما يقول خبراء تلك الصناعة، إن جميع المنافسين بما في ذلك شركة «ديزني» عملاق الترفيه، لم يدركوا تفاصيل الرؤية والتخطيط بعيد المدى الذي تقوم به «نتفليكس»، ناهيك عن العمل التنفيذي لتحويل تلك الخطط إلى عمل على الأرض.