الدكتور محمد فتحي يكتب : تحت الهجوم السيبراني.. قراءة استراتيجية لأكبر اختبار للأمن الرقمي والسيادة الأوروبية

في تطور غير مسبوق، شهدت القارة الأوروبية فجر الإثنين 28 أبريل 2025 سلسلة من الهجمات السيبرانية المنسقة، استهدفت البنية التحتية الحيوية في أكثر من 15 دولة، بما في ذلك شبكات الكهرباء، المؤسسات المالية، المطارات، وأنظمة الرعاية الصحية.
تزامنت هذه الهجمات مع تحركات بحرية روسية مثيرة للقلق قرب الكابلات البحرية الحيوية التي تربط أوروبا بأمريكا الشمالية، مما ضاعف من تعقيد المشهد الأمني وأثار حالة من الاستنفار الإقليمي والدولي.
وقد وصفت المفوضية الأوروبية هذه الاعتداءات بأنها “هجوم مباشر على السيادة الأوروبية”، بينما نفت موسكو أي مسؤولية عن الحادث، معتبرةً الاتهامات “ادعاءات لا أساس لها واستفزازية”.
الدلالات الاستراتيجية للهجوم:
1. الأمن السيبراني أصبح مرادفًا للأمن القومي
لم تعد الهجمات السيبرانية تقتصر على تعطيل الخدمات، بل باتت تستهدف شرايين الحياة الاقتصادية والاجتماعية للدول. الأمن السيبراني أصبح خط الدفاع الأول عن السيادة الوطنية والاستقرار الداخلي.
2. تصاعد الهجمات المزدوجة: المزج بين السيبراني والمادي
التحركات البحرية الروسية قرب كابلات الإنترنت العابرة للأطلسي تؤكد أن الحروب الحديثة لم تعد تُخاض في الفضاء الرقمي فقط، بل أصبحت تدمج بين الهجوم الإلكتروني والهجوم التقليدي المادي، مما يتطلب تطوير استراتيجيات دفاعية هجينة تشمل البر، البحر، والفضاء السيبراني.
3. التحالفات الأمنية ليست خيارًا.. بل ضرورة مصيرية
التنسيق الفوري بين الاتحاد الأوروبي والناتو لمواجهة التهديدات يثبت أن الدفاع الجماعي الرقمي أصبح مكافئًا للدفاع العسكري التقليدي. التحالفات العابرة للحدود باتت ضرورة لمواجهة التهديدات السيبرانية المركبة.
4. اختبار حقيقي لقدرات الصمود الرقمي (Digital Resilience)
تعزيز المرونة الرقمية لم يعد ترفًا تنظيميًا، بل أصبح معيارًا حاسمًا لقياس قدرة المؤسسات والدول على امتصاص الصدمات، التعافي السريع، وضمان استمرارية الأعمال والخدمات الحيوية.
خلفيات إضافية للحادث:
المتهم الأول:
• وكالات الأمن السيبراني الأوروبية نسبت الهجمات إلى مجموعات مدعومة من روسيا.
• أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، أكدت أن الحادث يمثل “هجومًا على السيادة الأوروبية”.
• الكرملين نفى تورطه، واعتبر أن الاتهامات “استفزازية وغير مسؤولة”.
تصعيد بحري موازٍ:
• القوات الأمريكية والأوروبية رصدت تحركات ست قطع بحرية روسية، بينها مدمرتان وغواصة، بالقرب من مسارات الكابلات البحرية الحيوية.
• الناتو رفع مستوى التأهب البحري لضمان حماية البنية التحتية للاتصالات العابرة للأطلسي.
تصريحات رسمية:
• الأدميرال جيمس ثورنتون، قائد القيادة البحرية للحلف الأطلسي (NATO MARCOM)، صرح قائلًا:
“نرصد التحركات البحرية عن كثب ومستعدون لاتخاذ كل الإجراءات الضرورية لحماية أمن المحيط الأطلسي.”
إلى أين نتجه؟
مع تصاعد التهديدات الإلكترونية والجيوسياسية، يصبح من الضروري على الحكومات والشركات الكبرى:
• تحديث استراتيجيات الأمن السيبراني لتواكب التهديدات المركبة.
• تعزيز حماية الكابلات البحرية وشبكات الطاقة الحيوية.
• تطوير خطط شاملة للطوارئ الرقمية واستمرارية الأعمال (BCP/DRP).
• تعميق التعاون الدولي وتبادل المعلومات الاستخباراتية بشأن التهديدات السيبرانية.
لقد دخل العالم رسميًا عصر الحروب الهجينة، حيث تُخاض المعارك عبر الأكواد والشبكات والكابلات تحت المحيطات، جنبًا إلى جنب مع التحركات العسكرية التقليدية.
ملاحظات تحليلية إضافية:
• هذه الهجمات تمثل تصعيدًا غير مسبوق في مسار الحرب السيبرانية، مع توظيف أدوات متعددة المساحات (Multi-Domain Operations).
• حماية الكابلات البحرية أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجية الدفاعية الوطنية والإقليمية.
• رغم غياب دليل جنائي قاطع حتى اللحظة، إلا أن المناخ السياسي المتوتر بين أوروبا وروسيا مرشحٌ لمزيد من التصعيد.
