مسعود شومان: مواقع التواصل الاجتماعي أفرزت شعراء "الاستيدج"
الجيل الحالي لا زال يذخر بشعراء متمكنين من كتابة القصيدة العامية
لابد من ارتباط لغة الشاعر بجذوره
البعض يترخص في جماليات القصيدةة لجذب الانتباه
معضلة التدوين أبرز مشكلات شعر العامية.. والحل بيد المؤسسات العلمية
قال الشاعر والباحث مسعود شومان صاحب الإسهامات الشعرية والنقدية في الشعر العامي - خلال حواره لـ "صوت البلد" - إن كل جيل من الشعراء له نماذجه الساطعة، موضحًا أنه في جيل الرواد والآباء كان هناك شعراء كبار مثل صلاح جاهين، وفؤاد حداد، وفؤاد قاعود، وعبد الرحمن الأبنودي، وسيد حجاب وفؤاد نجم، وبعدهم جاءت أجيال أخرى.
ولفت إلى أن الأجيال الموجودة حاليًا من الشباب، لا زالت تذخر بشعراء متمكنين من كتابة القصيدة العامية بجودة، لافتًا إلى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الشعر، وإفراز ما يطلق عليهم شعراء "الاستيدج"، على حد تعبيره.
كما حدثنا الشاعر والباحث عن لغة الشباب في الشعر العامي الحالي، وأهمية ارتباط اللغة بجذور الشاعر، وكذا أزمة الترجمة إلى العامية، فضلًا عن معضلة تدوين شعر العامية.. وإلى نص الحوار..
بدايةً.. كيف تصف الشعر العامي الحالي؟
أرى أن عددًا كبيرًا من الشعراء الشباب اتجهت نصوصهم إلى المباشرة في اللغة، فشعرهم يحمل القليل من البلاغة، والتصوريرات الجمالية، كما أن بعضهم يكتب من أجل الفوز في المسابقات الأدبية، وعلى الرغم من ذلك لا زال الجيل الحالي يذخر بشعراء متمكنين من كتابة القصيدة العامية بجودة.
متى نحكم على شاعر بأن له مشروع خاص ومميز؟
هناك صعوبة في العثور على شاعر يملك صوته الخاص أو له مشروع خاص لأن ذلك أمر مرهون بالزمن، فمن الممكن أن يكتب أحدهم قصيدة متميزة، وبعد سنوات يكتب شيئًا آخر متميزا وتكتمل دائرة التميز على مدى عمر، فنحن لم نصبح شعراء لهم مشروعهم إلا بعد عمر طويل، وصدور أكثر من ديوان، ووجودنا في المحافل المختلفة، وعلى الرغم من ذلك فإن الشاعر الحقيقي – بالرغم من ذلك - يتجلى شعره من السطر الأول له.
كيف أثرت مواقع التواصل الإجتماعي على الشعر؟
طغى على الساحة حاليًا - بعد وجود مواقع التواصل الاجتماعي - شعراء ليس لديهم منصة غير "الانترنت" لنشر أعمالهم، فينشروا ولا يستمعوا لآراء النقاد أو كبار الشعراء، وهناك أيضًا شعراء "الاستيدج" كما أسميهم، ممن يحاولون مغازلة المتلقي عن طريق الشعر مع الموسيقى، وكذا مغازلة المراهقين والمراهقات، والحصول على أكبر كم من التفاعلات، حتى يحصلوا على مكاسب مادية.
هل يمكن وصف ما يكتبوه بالشعر الحقيقي؟
بعضهم يكتب شعر حقيقي ولكنه قد يترخص في جماليات القصيدة من أجل جذب الانتباه، فيخرج الشعر خاليًا تمامًا من الجمال، ويكون أشبه بخطاب لاستدرار تعاطف المحيبن والمحبات أو مناقشة المشكلات الاجتماعية دون الوصول إلى عمق القصيدة.
ما تقييمك للغة الشعراء الشباب؟
هناك مفردات جديدة في لغة الشباب مرتبطة بعصرهم، ولها علاقة بلغة الكمبيوتر مثلًا أو ما يطلقون عليه "الروشنة"، واستخدام بعض تلك المفردات قد يكون مقبولًا في قصيدة ما، ولكنه لا يصح أن يصبح اتجاه عام، فالشاعر يعبر عن ما بداخله من خلال اللغة التي لابد أن تكون جزء من مفردات حياته اليومية، وشعراء جيلي استخدموا لغة قد تكون مستهجنة من السابقين لهم، فكل جيل له مفرداته.
كيف ترى تجديد اللغة؟
أنا لست ضد تجديد اللغة، ولكني ضد اللغة المنحوتة التي لا جذور لها، كأن أستخدم مصطلحات أصلها أجنبي أو أقول مفردة لا معنى واضح لها، فمن غير المقبول أن تصبح تلك المفردات هي اللغة السائدة.
بماذا تعلق على استخدام ألفاظ مبتذلة في أدب العامية حاليًا؟
إن اللغة في حد ذاتها ليست مشينة ولا تحمل مفردة "عيب"، لكن المشكلة عندما تدخل اللغة في الفن والسياقات الأدبية، وفقًا للشاعر الذي ضرب مثلًا بكلمة "طوبة" فهي كلمة عادية، أما إذا استُخدمت لتشبية شخص بها فهنا تصبح سبة، وإذا استخدمت في سياق آخر تصبح ذات معنى جميل وراق، فلا يمكن محاكمة المفردة عندما تدخل في سياق جمالي منضبط، والفصحى ينطبق عليها نفس الشيء.
كيف نربط بين ثقافة المكان ولغة الشاعر؟
هناك اختلافات لغوية بين شاعر جنوبي، وبحراوي، ودلتاوي، فاستخدام لغة سائدة وعامة ومنتشرة دون الرجوع لثقافة المكان يضر بالقصيدة وكاتبها، فالكاتب لابد أن يكون مرتبط بجذوره، الأمر الذي من شأنه أن يمنح ثقل لشعره، لأن اللغة حمالة ثقافة وجمال ومعرفة، وقد يكتب شاعر بلهجة الجنوب مقلدًا للأبنودي، ولكني لن أقبلها لأن لغة الجنوب مختلفة، ولها جماليتها الخاصة بها، فلن تخرج منه بجودة صاحب اللسان الأصلي.
ما تقديرك للترجمة الحديثة للرواية إلى العامية؟
لدينا بالفعل أعمال كُتبت بالعامية وخرجت رائعة مثل "قنطرة الذي كفر" لمصطفى مشرفة، وأعمال أخرى ليوسف القعيد، وصفاء عبد المنعم، وبيرم التونسي، وغيرهم من أصحاب الأعمال الناجحة والتي أبدعت باللغة العامية، أما عن الترجمة فهي تعتبر في حد ذاتها أنها خيانة للنص الأصلي، فما بالك عندما تنتقل من لغتها الأصلية إلى الفصحى، ثم العامية التي ترتبط بحمولة ثقافية أخرى بعيدة كل البعد الثقافة البعيدة التي نقلت عنها بعاداتها بحمولة لغتها، فالمفارقة هنا تكون صارخة جدًا، وعلى الرغم من ذلك، فإذا تمت الترجمة على يد مترجم وكاتب ذو خبرة فقد يُخرج لنا عملًا ناجحًا.
وماذا عن أهم المشكلات التي يواجهها شعراء العامية؟
مشكلة طريقة تدوين اللغة تعد أكبر مشكلات اللغة العامية، وقمن بمحاولات لحلها، ولكنها قوبلت بعدم الاكتراث.
ما هي الجهات المسؤولة عن حل تلك المعضلة؟
الأمر يحتاج مجهود المؤسسات العلمية ومجمع اللغة، لتوجيه الاهتمام بدراسة اللغة العامية، وخاصةً دراسة شعر العامية، مشيرًا إلى أن اللغة العامية لاقت بعض الدراسات ولكن ليس الاهتمام المطلوب، لذا فنحن ندعو المؤسسات الأكاديمية المعنية باللغة بدراسة اللغة العامية، وأن تتوجه لدراسة العامية وجماليتها وقواعد نحوها وصرفها وتدوينها، فلابد من دراستها وتطويرها وتوجيه طلاب الماجيستير والدكتوراه للاهتمام باللغة العامية.